{إِنَّ فِى ذَلِكَ} أي فيمَا ذُكِرَ من قصة فرعونَ وما فَعَل وما فُعلِ به {لَعِبْرَةً} عظيمةً {لّمَن يخشى} أي لمَنْ مِنْ شأنِه أنْ يخشَى وهو مَنْ مِنْ شأنِه المعرفةُ وقولُه تعالَى: {ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} خطابٌ لأهل مكةَ المنكرين للبعث بناءً على صعوبتِه في زَعْمِهم بطريقِ التوبيخِ والتبكيتِ بعدَ ما بيّنَ كمالُ سهولتِه بالنسبةِ إلى قُدرةِ الله تعالى بقولِه تعالى: {فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ واحدة} أي أخلقُكُم بعد موتِكم أشدُّ أي أشقُّ وأصعبُ في تقديرِكم {أَمِ السماء} أي أمْ خلقُ السماءِ على عِظَمِها وانطوائِها على تعاجيبِ البدائعِ التي تحارُ العقولُ عن ملاحظةِ أدناهَا كقولِه تعالى: {لَخَلْقُ السموات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس} وقولِه تعالى: {أَوَ لَيْسَ الذى خَلَقَ السموات والأرض قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} وقولِه تعالى: {بناها} الخ، بيانٌ وتفصيلٌ لكيفيةِ خلقِها المستفادِ من قولِه: أمِ السماءُ وفي عدمِ ذكرِ الفاعلِ فيه وفيما عُطفَ عليهِ من الأفعالِ من التنبيهِ على تعينِه وتفخيمِ شأنِه عزَّ وجلَّ ما لا يَخْفى. وقولُه تعالى: {رَفَعَ سَمْكَهَا} بيانٌ للبناء أي جعلَ مقدارَ ارتفاعِها من الأرضِ وذهابِها إلى سمتِ العلوِّ مديداً رفيعاً مسيرةً خمسمائةِ عامٍ {فَسَوَّاهَا} فعدَّلها مستويةً ملساءَ ليسَ فيها تفاوتٌ ولا فطورٌ أو فتممَها بما عَلم أنها تتمُّ بهِ من الكواكبِ والتداويرِ وغيرِها مما لا يعلمُه إلا الخلاَّقُ العليمُ من قولِهم: سَوَّى أمرَ فلانٍ إذا أصلَحَهُ {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أي جعلَه مظلماً يقال: غطشَ الليلُ وأغطشَهُ الله تعالَى كما يقالُ: ظلَم وأظلَمَهُ وقد مَرَّ هذا في قولِه تعالى: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ} ويقال أيضاً أغطشَ الليلُ كما يقالُ أظلمَ {وَأَخْرَجَ ضحاها} أي أبرزَ نهارَهَا عبرَ عنْهُ بالضُّحىَ لأنه أشرفُ أوقاتهِ وأطيبُها فكانَ أحقَّ بالذكرِ في مقامِ الامتنانِ وهو السرُّ في تأخيرِ ذكرِ الليلِ وفي التعبيرِ عن إحداثهِ بالاخراجِ فإنَّ إفاضةَ النورِ بعد الظلمةِ أتمُّ في الإنعامِ وأكملُ في الإحسانِ وإضافةُ الليلِ والضُّحى إلى السماء لدوران حدوثهما على حركتها ويجوز أن تكون إضافة الضحى إليها بواسطةِ الشمسِ أي أبرزَ ضوءَ شمسِها والتعبيرُ عنه بالضُّحى لأنَّه وقتُ قيامِ سُلطانها وكمالِ إشراقِها.